عندما أضافني القولون في قائمة أصدقاءه


في البداية عليك أن تعرف أني لا أحب الأمراض إطلاقاً..ربما تقول الآن "ومن منا يحب الأمراض!!"..أعرف أحدهم يحبها مع المثلجات -أعتبرها مزحه سخيفه- بالطبع لا أحد يحب الأمراض..سوى الأطباء :D
بدايتي معه عندما شعرت بآلام في الظهر والبطن..وباقي أعراض الحمل..حمل القولون :D ظننت أن الم البطن بسبب شئ أكلته,وآلام الظهر لكثرة جلوسي أمام الحاسوب..يوم مر وأشتد الألم..ثم أختفى فجأة..هل أذهب للطبيب الآن وأنا لا أشتكي من شئ!! الكسل يفعل أكثر من ذلك لكنه لم يدم طويلاً بعدما كاد الجانب الأيمن أن ينفجر..قررت الذهاب للطبيب وهذا قرار صعب بالنسبة لي فأنا أكره الذهاب للأطباء والمرضى بسبب الكآبه التي تحيط بهم...
كان يوم وقفة عيد..وتقريباً كان يوم جمعة..أتذكر ذلك لإنه كانت هناك خطبة يعقبها صلاة ولم أستطع الذهاب للمسجد لإنه كان هناك دور وبخروجي سأضطر لحجز كشف آخر وإنتظار الدور..
جلس بجانبي العديد من المرضى والمكان يحيطه الموت..وأخيراً جلست بجواري فتاة تصغرني سناً وأمها..لا أعلم إن كانت متزوجة أم لا -أقصد الفتاة وليست أمها بالتأكيد :D - سبب ذكري لتلك الفتاة تحديداً دون غيرها..هى أنها كانت تحكي عن أعراض مشابه لأعراضي..ظننت أنها حامل إما لطفل أو لـ...
الفتاة دخلت للتحليل وخرجت وليتها ما خرجت..الأعراض تخص فيرس منتشر..وما إن سمعت ذلك حتى وقعت علي الصاعقة بسبب تشابه الأعراض.. حزنت للفتاة كثيراً فهذا الجمال لا يستطيع حمل ذلك القبح وبالطبع حزنت لنفسي مسبقاً فهذا ما لم يكن في الحسبان...
جاء دوري..دخلت للطبيب وأنتظرت دوري مره أخرى في الحجرة المجاورة -فهناك دورين- بجوار فتاة وأمها أو حماتها لإنها حامل (بالتأكيد كان طفل) نظرات غريبة ومريبه من الأم وأبنتها وكأني سأموت الآن..تباً لتلك المرأة وتلك المره التي يتكرر بها المشهد..حان دورهم..وبعدها حان دوري..جلست أمام الطبيب لأفرغ مابداخلي من أعراض لوهلة لأسترجعها للأبد..طلب مني تحليل جئت به وأنا أنتظر الصدمة التي تلقتها الفتاة..
مددت جسدي على الشيزلونج ليكمل الكشف..أراد مني أن أخبره بمكان الألم..وهنا صدمة أخرى..الألم كان يسري في ظهري وجانبي وبطني..كيف أخبره بذلك..ربما يسخر مني..تذكرت أنه طبيب وأخبرته وبعد أن أكمل الكشف..قال لي أني مصاب بالقولون...
ربما لا تصدق أنني لم أنتبه لما يقول ومهما كانت مصائبه..ورددت الحمد لله..كوني لم أحمل ما حلمته تلك الفتاة..فلم أدخل من ذلك الباب وهذا المرض أو ذاك في الحسبان..بل ألم سيزول ويختفي بالعلاج..سألته عن الفناة وأن أعراضها تشبه أعراضي حتى يزيل الشك من رأسي..فأخبرني أن هناك تحاليل وهناك فرق بين ذلك وذاك..
وبعد إن أنتبهت لكلمته التي ألقاه علي منذ قليل..أخبرني بالممنوعات..
إن كنت أتعاطى الممنوعات حقاً وأخبرني بالإمتناع عنها..لكان أرحم بالنسبة لي من الممنوعات التي أخبرني بها..
انه الطعام..منع عني أغلب المقليات والمعجنات..بدلاً من أسرد القائمة..فلقد منع كل شئ تقريباً
ماذا تبقى لي؟ نسيت كل الطعام مقابل ما منعني عنه..حقاً الممنوع مرغوب
حتى أنه ذكر لي أكلتين ونبهني منهم -لم أكن أتناول أحدهم كثيراً والآخر لم أداوم عليه- إلى أنني أشتقت لأكل الممنوع منذ تلك اللحظه..ومن هنا تضاف قائمة أخرى من قائمة الطعام الممنوع لقائمة سابقة أعقبتها بسنوات لكنها كانت أرحم من الحالية..
كتب لي الطبيب على قائمة أدوية..عندما تناولتها أصابتني بشئ آخر..لا داعي لذكره..أو سأذكرها حتى لا يبلغ الفضول منتهاه..الأدوية إلى جانب أنها زادت من الألم..جعلتني سكير وطريح الفراش..وكان لهم عيد دوني..
عندما عرف الناس أني مصاب بالقولون أنقسموا ما بين مخفف ومثقل..أحدهم يخبرني الا أفكر به ويذكرني هو به..والآخر يكذبني بطريقة أو بأخرى وكأني مصاب بسرطان البروستاتا..وخذ من النصائح حتى بعد غد من كلا الطرفين والتي لا تضر ولا تنفع ولا علاقة لها بمرضي من الأساس..الجميع يريد أن يظهر لي تعاطفه وكأني فقدت زراعي أو أحدى عيني..حتى من فرحوا لمرضي حاولوا أن ينضموا للمتعاطفين..خاصة أولئك الذين يجعلون من المرض تافه وعندما يصابوا بنزلة برد يخافون على مالديهم من ارث حذر الموت
لأكمل حياتي..علي أن أنسى..تلك الجملة التي يذكرني بها كل فترة شخص قريب أو بعيد تكاد تقتلني..
تخيل يذكرك شخص بشئ لتنساه!! وآخر يجعل من مرضك شئ تافه تخفيفاً عنك أو تخفيفاً عنه وهو لا يعرف عنه شئ من الأساس..لا يعرف مقدار ماتشعر به يومياً..لا يعرف حجم الألم الذي يصحبك في الصباح والمساء حتى أثناء نومك..ربما يوقظك ليجلس ليتسامر معك في أمور الموت وفي فنون الألم ليجعل منك تافه أمامه وليس منه..هذا هو المرض أياً كان مسماه
من كائن آكول لكائن أي مايقدم له يفكر به قبل أن يأكله..عندما تجوع في أي مكان ستجد الطعام بشتى أنواعه..في بلدي هناك ثلاث أكلات متوفرين في كل مكان وبكل الأسعار..الثلاث ممنوعين عني..وهم أو غيرهم من الممنوعات إما أن أتناولهم ليتناولني هو..وأما أن أبحث عن غيرهم..وعادة ماتكون معلبات فباقي الطعام الغير ممنوع..قد منعته منذ خروجي للحياة..لذا أعيش على المعلبات وبعض الأكلات..أليس هذا مرض في حد ذاته؟
مر علي عيد آخر وجلسته في البيت بسبب وليمة فرح سبقته في يوم الوقفه أيضاً..جعلتني أجلس حوالي أسبوعين طريح الفراش ولم أقم إلا بسبب الدراسة..أتمنى أن يكون لي عيد قادم كما لهم :)
ربما تجد الكآبة تحيط بالموضوع مما يخيل لك أني كئيب..بالعكس أنا أضحك لأعيش..أسخر لإنسى..فقط أكتب ربما ليمُحى..أو لينقل من داخل الجسد لخارجه في أي مكان آخر هنا أو هناك أعلى تلال الأمل..وأخيراً ما أريد أن أوضحه أن لا أحد يشعر بالمرض إلا صاحبه أين كان ذلك المرض صغير أو كبير فكلها أمراض..وكما ذكرت سابقاً -أو كما ذكرت أنت- لا أحد يحب الأمراض..
سوى الأطباء
وذلك الرجل الذي يحبها بالمثلجات :D
..تصحبكم العافية والسلامة..