الحشرة الملعونة
بداية معرفتي بتلك الحشرة كانت في منطقة بنيت على أرض صحراوية ، قبل ذلك لم أراها فقط ، بل لم أسمع عنها إطلاقاً حتى في عالم الحيوان أو ناشونال جيوغرافيك .
في أحد الليالي انتقلت للسكن في شقة بالإيجار مع بعض الأشخاص ، ليلة بعد أخرى وجدت الأشخاص يشتكون من شئ يعرفونه وأجهله ، لم أكن اتبين نوعه بعد ، حتى قالوا لي أنها حشرة ، حشرة ؟ تفعل كل هذا بكم ؟ قالوا لي أنه “البق” ، ظننته في البداية إسم آخر للناموس أو البعوض لديهم ، لكن نفوا ذلك ، فخيل لي أنها حشرة “القراد” ، حتى شعرت بالألم .. ولم يعد هناك وقت للتخيل بعد .
كان شئ يدعو للقرف وكره كل شئ حولك حتى نفسك ، أبناء الدراكولا يتمثلون في صورة حشرات ، مصاصي الدماء ليست أسطورة بعد ، شئ أبشع مما تتخيله في الأفلام ، صفة وصورة ورائحة وآثاراً .
ذهبت لأشخاص قريبين أعرفهم ، وشكوت لهم ما وجدت ، فور ذكري لاسم الحشرة انهالوا علي بالصراخ ، وبدؤوا يغيرون الموضوع ، وجدت أحدهم يذكرها مرة أخرى ، فرد عليه أحدهم بحذاء في وجهة ، حتى أخبرني أحدهم بأن مجرد ذكر إسمها بالنسبة لهم يسير القشعريرة والألم لديهم وكأنها موجودة تماماً .
لم يكن هناك مكان آخر انتقل إليه خلال أيام ، فوجدتهم يخرجون كل شئ ويمسحون المنزل بالكامل ويرشونه بمبيدات وبعض المواد البترولية ، حتى أن الكمية التي وضعت كفيلة بأن تقتل البشر أنفسهم وليس مجرد حشرات . هنا فقط ايقنت بأنها ذاهبة بدون رجعة ، حتى تحول اليقين لشك والشك ليقين ، فقد ايقنت عكس المرة الأولى بأنهم أبناء الدراكولا ، أو على الأقل الموتى الأحياء ، فأعدادهم تتزايد كلما حاولت قتلهم .
الحشرة تتكاثر بطريقة تدعوك للهروب من كل شئ ، تكاثراً لا جنسي هذا؟ أم شئ آخر؟
كنت أظن في البداية أن الإنسان عند نومه يكون في ثبات ، حتى رأيت أجساد يتحرك بها كل شئ أثناء نومها بسبب تلك الحشرة الملعونة . شئ جعلني أسرع في ترك ذلك المنزل المسكون مهما كانت الخسائر ، فلا خسارة أسوء من خسارة الراحة والجسد .
بعد تركي لهذا المنزل ظننت أني لن أصادف شئ شبيه لها في حياتي ، مرت ثلاثة سنوات تقريباً ووجدت نفس الشئ وليس شبيهاً له ، هو بعينه لكن هذه المرة بكل الاحجام والأشكال ، كانت هذه فترة التجنيد .
في مركز التدريب صراحة لم أجد شئ ، سوى الكثير من الثعابين غير المؤذية وبعض الناموس…
( فاصل لنتحدث عن الثعابين والناموس )
الثعابين كانت كثيرة ، لدرجة أني لم أرى هذا العدد في نفس التوقيت ، حتى أنها كانت تتعايش معنا ، رأيت أشخاص كثيرين يقتلونها ، لكنها لم تؤذي أحد ، حتى أن هناك رتبة ما ، نبهت علينا بعدم الإقتراب لها حتى لا تؤذينا أمهاتها كما نؤذيها . كان بيوتها المكان المفضل لنشر الغسيل ، فقد كانت عبارة عن نباتات عشبية نظيفة تعلوا عن الأرض ، وتبقى الملابس من ربع إلى نصف ساعة حتى تجف من المياه بعكس أي مكان آخر .
الناموس ، لم يكن كثير بالدرجة التي تذكر ، حتى جاء يوم وقامت عاصفة من الناموس بمعنى الكلمة ، كمية ناموس أنا متأكد أن عدد الناموس الذي رأيته طوال حياتي لا يذكر أمامها . ففي أحد الأيام وجدنا الناموس في كل مكان بكميات كبيرة ، لدرجة لا تستطيع أن تفتح عينك ، وتجعلك تهرول في كل مكان ، كان السبب – حتى لا أطيل – مزرعة كبيرة للمواشي احترقت بالجوار ، وكانت الرياح تشبه رياح الحرب الكيميائية فجلبت كل الناموس إلينا وسميت بالحرب الناموسية ، بقيت هكذا حتى آخر يوم لنا .
( عودة )
بذهابي للوحدة الأساسية كنت متواجد بمكان ما ، ومكان النوم ليس به شئ للنوم ، فقط كنت تجمع حطام السرائر وتجمع منها سرير لك – عكس باقي الوحدة وعكس المستقبل – وبما أن هناك متسع في المكان الذي سأنام به ، كونت سرير من حطام السرائر – الحديد – والحجارة والبلاط والصاج (سريري أصبح كالشازلونج) كل ذلك جمعته في مكان منعزل – بعيد قليلاً – عن المتواجدين في نفس المكان ، لأني أحب الخصوصية ، وتجنباً لأي أمراض أو شئ مستقبلي .
ظني كان في محله بالإبتعاد عن المحيطين ، فمع مرور الأيام وجدت نفس المشهد المذكور في بداية التدوينة يعاد مرة أخرى ، ذكريات سيئة عادت لي ذلك اليوم ، نفس كل شئ يتكرر ، لكن هذه المرة بعيد عني ، فالمكان الذي أسسته حافظت عليه من البداية ، مرتفع عن الأرض ، بعيد عن الحائط ، مرشوش بالمطهر ، ونظيف من الأسفل والأعلى … وهكذا مرت 6 أشهر تقريباً .
وذات يوم كنت قادم من إجازة ، ووجدت خبر سئ ينتظرني ؛ شخص ما قام بنقل أشياءه بجواري من أجل الشبكة ، صراحة وقتها لم اتحمل والقيت حطامه بعيداً عني وافتعلت معه شجار لسبب ما ، حتى عاد مرة أخرى وبما أنه تجنب السبب السابق وتجنباً لتمادي المشكلة تجنبته ، ويوم بعد آخر وجدت الآخرين ينقلون بمحاذاتي ، وما أخشاه حدث ، مرت الأيام وبعد عودتي من إجازة أخرى وجدتها ، بسبب نوم بعض الأشخاص في مكاني وعدم نظافته ، وهكذا استمرت الأيام ، حتى أني كنت اترك المكان وأذهب للنوم مكان العمل ، أو ابقى حتى الصباح ، أو اطبق يومين حتى يرهقني التعب وانام دون أن أشعر .
لا أكذب عليكم كانت هناك عقارب صفراء قبل السوداء ، وقرصني صغير لهم يوماً ، كذلك كان هناك ناموس وذباب ، لكن كل هذه الأشياء لا تذكر بجوار تلك الحشرة الملعونة . هكذا مرت الأيام حتى أنتقلنا لمكان جديد كلياً به سرائر ودواليب وكل ما هو آدامي ، فضلت النوم على السرير دون أي فرش – فلم تكن هناك مرتبة لي بعكس الآخرين لسبب سأذكره في تدوينة أخرى – أفضل من أن أعيش مع تلك الحشرة . حذرت الجدد من جلب أي شئ من المكان القديم إلا بعد نشره في الشمس عدة أيام وتطهيره ، لكن لا أحد كان يسمع لكلامي !!
جاءت مرة أخرى لكن كانت بعيدة عني ، حتى أنتهت مدة خدمتي والحمد لله ، لكن عانينا من الناموس الذي لم نكن نشعر به في تواجدها ، وآخر يوم لم أحمل أي شئ معي من ممتلكاتي للمنزل ، رجعت بالزي الذي ارتديه فقط خشية أن ينتقل معي للمنزل .
إرسال تعليق