الخروج من العش إلى العرين

الخروج من العش إلى العرين


ربما تكون أكثر طموحاتك هى الإنفصال عن العائلة، لترك تلك الحياة الرتيبة وإزاحة المتطلبات اليومية عن كاهلك وإراحة أذنك من الأوامر المزعجة التي لا عمر يضع حد فاصلاً لها ولا عدد نهائي يفصل بينك وبينها، تغبت وتحسد أبطال الأفلام من سنك الذين يتركون المنزل عند بلوغ الثامنة عشر، وكم هى الحياة جميلة ورائعة عند ترك الأهل والعيش وحيداً أو مع….

هل تسائلت يوماً عن سلبيات إنفصالك عن أهلك سواء للدراسة أو للوطن أو للعمل أو…. لا أظن ذلك، فالحياة دائمة وردية بمجرد إبتعادك عنهم، أموال كثيرة وصحة وفيرة ووقت ممتد لا يشوبه أي شئ، عندما يخلو جيبك من المال فهناك أهل -الست تريد الأنفصال أحذف تلك الجملة إذاً- هناك كافيتريا ستعمل بها كما يعمل بطلك بعد الدراسة، وعندما تمرض ستذهب للطبيب “بكامل صحتك” وسَتُمرِض نفسك ليلاً ولا حاجة لك في أحد.

أتوقف هنا لا لأكمل لك الحديث عن سلبيات الوحدة أو السخرية منك، ولا لبدأ الحديث عن إيجابيات المعيشة تحت سقف واحد مع أهلك، بل لإستبدل أهلك نفسهم كأشخاص بأشخاص آخرين، يدعون رفقاء السكن في أماكن متفرقة، وكما لم تختار عائلتك لتكون أحد أفرادها، فأيضاً هؤلاء ربما لن تستطيع أختيارهم في بعض الأوقات، سكن العمل مثلاً، أو سكن الطلبة، أو سكن المجندين..إلخ

إن لكل شخص من هؤلاء شخصية مختلفة وبيت مختلف -تربى به- عادات وتقاليد مختلفة وعقل مختلف -أو ربما متخلف لا فرق- أفكار مختلفة وأوقات متضاربة مع أوقاتك وخلافات مع أختلافاتك وأشياء كثيرة كثيرة تكتشفها ليس في كل يوم تعيش معه بل كل دقيقة وثانية ولحظة يتفوه بها أو يحرك أحد خلاياه بها.

فالإتكالية أحد أكثر الأشياء التي ستجدها في رفقاء السكن، هؤلاء ممن رأوا في أمهم/زوجتهم خادمة وأخوتهم الصغار عبيد وفيمن يكبرهم رعاة وفي أبوهم إنسان آلي، ماذا تنتظر منهم إذاً!!
كل شئ مشترك فيما بينكم ستجدهم في العادة يتكاسلون ويضعون الحجج ليتجنبوه، كل مرة تذهب لإحضار أو إعداد الطعام ستجد مجرد أفواه جائعة تسد جوعها وتنتظر من ينظف وراءها.

وبالحديث عن النظافة ربما تتعب نفسياً من كثرة القذارة التي ستجدها حولك، سواء في الغرفة أو الطرقة أو المرحاض ذلك الذي سيتحول يوماً إلى بلوعة مجاري بمرور الوقت في إنتظار أنت تمد يدك وحدك لتنظفه ليس لك.. أياك وأن تظن ذلك بل لهم، فكلما رأوك تفعلها سيزدادون أكثر وأكثر.
أسرة غير منظمة وملابس في كل مكان، وبقايا طعام تجدها في أطراف أصابعك دوماً، ورائحة تفوح من المكان تزداد سواءً بوجود المدخنين شفاهم الله من بلائهم وشفانا منهم.