يوم هاديء وقط مشاكس
صبيحة اليوم خرجت إلى الشرفة مستعداً لاستقبال يوم جديد، يوم يجهل كلاً منا أحداثه لكننا مجبرون على أن نعيشها طمعاً في أن يكون بها الأفضل، رغم تشابه الأحداث اليومية التي نمر بها كل يوم. هناك مثلاً على يمين الشرفة ستجد الطاهي في المطعم -صاحب اللافتة المتهالكة- يفعل نفس الأمر كل يوم،
يلقي بعجينته الخضراء التي لم ترتكب أي جرم، في زيت مغلي يكاد يصفي اللحم من العظام، تلك الحرارة التي يتذكرها فقط عندما يتحول لون العجينة من الأخضر إلى البني، ليضعها في كفنها الأخير المصنوع من كتاب طفل في التاسعة من عمره، ويا للصدفة ذلك الطفل هو نفس الطفل الذي تسلم العجينة المحروقة
على يمين الطاهي هناك محل لتاجر أسماك -يشتريها من الصيادين بسعر بخس ويبيعها بأضعاف الثمن- لا أعلم صراحة ما الذي يجعل شخص مثل ذلك يفتتح محله في السادسة صباحاً وزبائنه لا يأتون له إلا في العاشرة صباحاً أو الثانية عشرة ظهراً، لكنها الأرزاق التي لا نعلم متى تأتي ومتى تذهب
لفت انتباهي وقتها ذلك القط الذي ينظر للتاجر بنظرات ترقب، تلك النظرات ليست نظرات مستعطف أو شحاذ بمعنى أدق، إنها أقرب إلى أن تكون نظرات قناص محترف، فزمن الاستعطاف ولى بالنسبة لذلك القط، فبخل التاجر أكبر من أن يعطيه سمك ميتة، فكل السمك لديه ميت لبخله عليه أيضاً بالمياه
ذلك القط الذي قرر أن يرحم سمكة واحدة فقط من انتظار التحلل في بطن أحدهم الأمر الذي جعل السمكة تشفع له سرقتها لها حتى وهي ميتة، وعلى ما يبدو أن الفرصة قد حانت مع شعاع شمس الواحدة ظهراً فقد أعلنت ساعة الانطلاق للقط بعدما ذهب الرجل ليجلب غداءه من زوجته بالدور الأول كعادته كل يوم
وهنا ودون أي عناء قفز القط وبكل أريحية على المنضدة التي وضعت عليها أشكال شتى من الأسماك، والتقف سمكته المفضلة، ونزل بها متوجهاً نحو الزقاق دون أي خسائر جسدية من صاحب المحل، والذي لم يلحظ أي تغير حتى بعد رجوعه، وهي نفس الحالة التي كان سيعيشها لو ألقى بنفس السمكة للقط
وهنا دعني أوضح نقطة واحدة، إن ذلك القط لم ينتظر سبع ساعات فقط، كما انه لم انتظر أنا أيضاً بالشرفة كل تلك الفترة، لكن الفرق الوحيد بيني وبينه أنه جلس أيام يخطط للانتقام من التاجر والانتصار عليه بعد أن ترجاه أيام وأشهر، وفاز بغنيمته تلك والتي يبدو أنها لن تكون الأخيرة
أما أنا فلم أخطط إطلاقاً لتسجيل ذلك المشهد، فكما ذكرت سابقاً أننا نجهل ما يحمله لنا كل يوم رغم تشابه الأحداث، حتى تلك الأحداث البسيطة التي نكاد لا نلقي لها بال أو نلحظها، نجهلها أيضاً رغم ما تحمله من قصص ومعاني قد تفيدنا في حياتنا.
إرسال تعليق