ما بين سلام الأهل وعداوة الشارع


كطفل صغير كان يخشى الناس لشئ ما مجهول بداخلهم، يعلمه أهله السلام بمعناه البسيط كلما زارهم أحد أو زاروا هم أحد، كلما خرج مع أحدهم يفعل مثل ما يفعل.. ينطق مثل ما ينطق؛ لعل يكون بينه وبين هؤلاء الكائنات سلام حقا ولا يكون فريستهم عندما يجوعوا يوما، تعلم أيضا أن للسلام مقابل ويجب أن يلقي السلام حتى وإن لم يرد الآخر عليه فسيرد الملائكة، لكن عندما كبر.. دعنا من عندما كبر الآن ولنكمل حديثنا، يذهب للمسجد فيحدثه الخطيب عن السلام بادئ كلامه به ثم يحدثه عن الإبتسام، فلا يجب أن نلقي السلام وعلى وجوهنا غبرة.. يجب أن نبتسم.. يجب ماذا؟ يجب أن نبتسم، فابتسامك في وجه أخيك صدقة.

يخرج الطفل للشارع ويمر بأولهم( السلام عليكم ) صمت..( السلام عليكم ورحمة الله ) صمت(.. وبركاته) غضب من الجانب الآخر( ماذا تريد.. أرحل بعيدا ) هذه المره يجب أن يبتسم الطفل عندما يلقي السلام فيبدوا أنه نساها ( السلام... ) يتكرر الموقف..، يخرج الطفل مره مع واحد من أهله طالبا منه السلام على من يجده،( الس.. ) وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. جملة يقاطعه بها الآخر وهو مبتسما مخرجا بعض المال هاديا الطفل اياه، ما هذا السحر!! ألم يسلم الطفل على هذا الرجل من قبل فنظر إليه بغضب ولم يرد!! ماكل هذا السحر حقا!! إنه سحر النفاق ياصغيري لم تتعود عليه بعد!!
الآن كبر الطفل.. الآن يحدثكم!!
أخرج إلى الشارع كشاب بين العقد الثاني والثالث، طولي يزيد على من تخطى السبعون من عمره، صوتي يصل لآخر الشارع إن ناديت على شخص يبعدني، دقني تكفي لأن تزرع لأصلعين، إذا لم يصبح الصغير صغيرا في نظر الشارع!! لا بل مازال صغير في نظر هؤلاء المتعجرفون...
أنا لا يهمني أحد صراحة، لكن مازال بي بعض نقش الصغر أريد أن أحافظ عليه قبل أن تخفيه عوامل الزمن المتغيرة، على أن ألقي السللم وأبتسم.. هذا ما تم نقشه من قبل..
أخرج إلى الشارع أول شخص أصادفه أحد الجيران - وللجار عليك حق -( السلام عليكم) لايرد.. بصوت عالي ربما لم يسمعني!! أيضا لا يرد، ما أعرفه عنه أنه ليس أصم، لكن ما أشاهده بأم عيني وما أسمعه بأذني يؤكد لي تماما أنه ليس أصم، يتجاوزني مسلما على كل إمرأة بالشارع وكل فتاة..راجع إليهم بظهره إن سمعهم يتكلمون في أي حديث حاشرا نفسه فيه.. تبا نسيت كلام أحدهم وأنا صغير عندما أخبرني بأن أسلم على الرجال فقط. المره القادمة لن أسلم على هذه المرأة، مر يوم وأثنين وهى تشتد غضب كلما رأتني لا ألقي السلام عليها.. لا أعلم لماذا فقد كنت ألقي السلام عليها من قبل ولم ترد، لماذا تغضب بعد عام منه!!

الأمر الغريب حقا عندما أمر بأحدهم فيرد علي السلام وبعدها بأيام لا يرد وبعدها بفترة يرد.. جلست صراحة مع نفسي أقول تبا لهذا الجنون، هل لي حصة من السلام تنفذ في يوم وتشحن في الآخر، كيف يحدث هذا، لم يخبرني أحد عندما كنت صغ.. اكتشفت وقتها أن السن له علاقة بالسلام حتى الآن بعد تجربتي التالية؛ فعندما أمر بمن أتحدث عنهم وذقني طويلة يردوا السلام والعكس تماما عندما أحلقها!! تكاد تجن من قراءتك لهذه الكلمات.. تشعر بأني أكذب عليك، ماذا إذا لو كنت مكاني!!

أمر على أحدهم فأقول( السلام عليكم ) فيرد( أهلا ) أهلا؟ منذ متى..أخبرني أرجوك، أمر على الثاني( السلام عليكم ) ورده( مرحب ) با.. با.. أكملها أرجوك هكذا.. مرح با مرحبا.. أو لا تنطقها.. ولكن منذ متى!!، أمر على الثالث( السلام عليكم) صوت صرصور الحقل.. آسف نسيت وأعتذر عن هذه المره فليس خطأه بل خطأي فقد كانت ذقني قصيرة، الرجل المضحك حقا في هذا الأمر شخص إسمه( فضلون) هكذا إسمه الحقيقي واستغرب منه ومن إسمه حتى الآن، فكلما أمر عليه وأقول( السلام عليكم) يرد ب( أتفضل ) لا غيرها.. إسم مناسب حقا  لما ينطق به.. وهكذا بقيت الأشخاص، كاد الطفل بداخلي ينتحر وكاد النقش يمحى.. إلا إنني ذات مره كنت لا مبالي بشخص يمر بجواري وجاء صوت الطفل بداخلي ناطقا( السلام عليكم) فتوقف الذي يمر بجواري وقال بنبرة غريبة( لما لا تكملها.. إن خيرتك بين عشر جنيهات وتسعون جنيه.. فماذا تختار؟ ) سأختار المائة..( إذا عليك أن تكملها وقل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) رددت ماقاله فهاهو الأمل يعود للطفل والحياة تدب به( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) قال أهلا ثم رحل.. ورحل الطفل من بعده!!

أمشي في الشارع لا أرى أحد.. لا تميز عيني بين رجل وأمرأة فقد قلت لك منذ قليل لا أرى أحد، أطفال تمر بجواري( السلام عليكم ) لا أرد..( السلام عليكم ) لا أرد.. علمكم أهلكم النطق وعلموني الصمم، علمكم أهلكم السلام وعلموني العدواة.. نسوا أن يخبروكم أننا نعيش في حرب تأتي وقتما تحب ترحل عندما نموت ولا سلام بيينا..
يمر صوت غليظ بجواري..( السلام عليكم ) أصبحت أصم( هل أنت أصم.. لماذا لا ترد؟ ) وهل إن كنت أصم سأجيبه بنعم..ألم يكن هو من كان أصم بالأمس..( تبا لجيلكم ) بل تبا لكم..
يرن الهاتف يبدأ شخص بالكلام( آلو.. ) أرد ساخرا ( هاي ) يلعن اليوم الذي أتصل بي به كوني أرد عليه بكلام الكفار وكأن "الو" من كلامنا..
ذهبت يوما بعيدا بعيدا عنهم كان الناس لا يعرفون شئ يدعى السلام القولي.. بل كان لديهم سلام فعلي.. فحقا الكبير هناك كان يحترم الصغير فحدث العكس الصغير يحترم الكبير.. نسيت كل شئ ورجعت إليهم بطفلي( السلام عليكم )