يوميات إنسان من العصر الحجري (2): القرية الموبوءة

يوميات إنسان من العصر الحجري (2): القرية الموبوءة


أن تعيش تحت سقف واحد مع عشرة أشخاص فهذا بالتأكيد منزل عائلتك، وأن تنام تحت سقف واحد مع أربعين شخصاً فأنت بالتأكيد تمضي خدمتك العسكرية أو في عنبر للطلاب أو المساجين، لكن أن تعيش تحت سقف واحد مع 2000 شخص فهذا ما لم أسمع عنه من قبل، والسببين الوحيدين في تواجدك هناك هما الموت أو المرض، وهذا بالفعل ما حدث لي..

بعد انتظار دام قرابة الساعة في سيارة الإسعاف -وتلك كانت المرة الأولى في حياتي لركوب تلك السيارة- جاء المسعف وأخبرني أنه تم الموافقة على دخولي المكان بعد تسجيل البيانات، وعلي أن أبقى في صالة الانتظار حتى أسمع أسمي، وتوجب عليه الرحيل الآن ليحضر آخرين..

وهنا أود أن أشكر كل المسعفين على جهودهم المبذولة، فرغم حرصهم الدائم وكل تلك الملابس والأقنعة أصيب المسعف الذي تواصلنا معه في البداية، وهذا واحد فقط تحدثنا معه وعلمنا بإصابته من ضمن آلاف المسعفين في العالم لم نعلم عنهم شيء، فأعانهم الله على ذلك

في غرفة رسم القلب

بعد انتظار دام قرابة نصف ساعة وسط وجوه كئيبة وشاحبة، تكاد تسب ضحكاتنا المتتالية والتي لم تكن إلا لتهوين بداية الأمر، جاء الطبيب الأول ونادى على أسمي وذهبت للغرفة الأولى التي كانت تقع أمام عيني مباشرة، وهي غرفة (قياس الطول والوزن ورسم القلب والضغط) وسألني عن إن كنت أشكو من أي شيء أو وجود أمراض مزمنة، وهى نفس الأسئلة التي سيسألها لك الطبيبين خارج الغرفة -المرحلة التالية- لكتابة أي أدوية تعطى يومياً لك بالإضافة لتصنيف حالتك الصحية بالفيروس -سأتحدث عن ذلك لاحقاً- بعدها يتم تركيب شريط على معصمك به غالبية بياناتك (الاسم وتاريخ الميلاد والوزن ورقمك في المكان..) بالإضافة لوجود 2 باركود على نفس الشريط لسهولة الوصول لبياناتك، هذا بالإضافة لورقة رسم القلب وبياناتك من الطبيب الأول..

هناك شخص كان حزيناً وخائفاً عندما أتطلع على ورقة رسم القلب له وقارنها بورقتي، وقال لي إن هناك مشكلة، سألته عن ماهيتها أخبرني أن الخط لديه أقرب للاستقامة من خطي وهو ما يعني أن لديه مشكلة بالقلب، لم يأخذ بكلامي وجال في المكان يسأل كل طبيب عن ذلك الخط، وكانت نفس الردود شبه الساخرة من تفكيره السينمائي تتساقط عليه مع كل سؤال..

غرفة أشعة الصدر

بعد ذلك ذهبت للغرفة الثانية وهي غرفة أشعة الصدر، الرجل من كثرة المرضى كان مبرمج على الخوف، وهو ما حزنت عليه وحاولت أن أترك مسافة كبيرة جداً بيني وبينه لكني تفاجأت من أنه يشير لي بالتوقف دون أن يراني حتى وهو ما يعلن أنها أصبحت عادة لديه، بعد أن تصبح كيوم ولدتك أمك -من النصف الأعلى فقط- تتوجه لجهاز الأشعة وتلتصق به حتى يكاد يعتصر بين صدرك. للأسف غرفة تغيير الملابس هناك يسىء استخدامها من قبل المرضى، فالحوائط هناك ممتلئة باللصقات التي توضع على اليدين والقدمين في غرفة رسم القلب، وتلك هي السيئة الأولى لأولى ساعات المرضى داخل الحجر، وكأن المكان يخلو من صناديق القمامة!!

غرفة سحب الدم

بعد ذلك توجهت إلى غرفة سحب الدم، والتعامل هناك بالإشارة، لذا الإشارة الأولى تعني الجلوس على الكرسي الأول، والإشارة الثانية تعني تحريك اليد، أما الإشارة الثالثة فهي الجلوس على الكرسي الثاني بالقرب منه لسحب عينة الدم. وتلك كانت أسوأ غرفة منذ دخولي المكان حتى خروجي منه؛ كونها ضيقة نوعاً ما وإضاءتها ليست كباقي الغرف الأخرى فهي منخفضة قليلا، بالإضافة إلا أني أول مرة أشعر بتلك الوخزات الموجعة في سحب الدم، شعرت بها ثلاث مرات ولولا أني تعرضت لسحب الدم أكثر من مرة في حياتي لظننت أنها أسوأ تجربة في حياة المريض..

الاشارة الرابعة وتعني ضع يدك هنا والإشارة الأخيرة تعني تفضل بالخروج. وهنا لدي إشارة واحدة: ذلك الشخص يجب تغييره على الفور، أنا أشكره على تواجده في المكان فقط، لكن ليس بتلك الطريقة التي أشكر بها الباقين، فقد رأيت الدم متكدساً في يدي لأكثر من 10 أيام ولم تكن تلك هي اليد الواحدة التي رأيتها بل أكثر من مريض عانوا من نفس الشخص، وددت أن أشكو للمختصين في المكان من ذلك لكن الذاكرة خانتني حتى الخروج، لذا سامحته فربما فيما ذكرت من إضاءة الغرفة سبباً في سوء سحب العينات.

حقوق الصورة: pexels