يوميات إنسان من العصر الحجري (3): الصالة النفسية

عندما تفقد الأمل في وجود دواء في أسرع وقت، عليك بالتفكير في طرق أخرى حتى يجهز، أدوية قد تساعد على تحسين الوضع، تجارب ودراسات على أدوية أخرى..إلخ قبل كل ذلك عليك بالتهيئة النفسية للمريض، حتى بعد وجود الدواء، فمن أمامك قد تكون الأعراض الظاهرة عليه ناتجة عن الوهم ليس إلا، الوهم الذي أصابه نتيجة لوحدته دون تواصل مع من بالخارج أو حتى مع من بالداخل. كل هذا أُخذ بعين الاعتبار في ذلك المكان حيث ستجد أبناء كل بلد متواجدين على مقربة من بعضهم البعض، بحيث تنشئ حلقة تواصل بين أبناء اللغة الواحدة أو اللهجة الواحدة لعدم الشعور بالوحدة بالمكان. وهو ما توضحه السطور القادمة أكثر.

بعد ذلك انتقلنا من الصالة الصغرى للصالة الكبرى، وانتظرنا عربة الجولف -لا أعرف اسمها- حتى تنقلنا لمكان التمريض. الصالة الكبرى هي صالة استراحة عامة وهي صالة نفسية أكثر من أي شىء آخر، فقد وضعت بها الكثير من الألعاب لتهيئة المرضى بشكل نفسي مع المكان؛ فهي تحتوي على الكثير من ترابيزات البلياردو والتنس والشطرنج والنرد والكوتشينة وطاولة كرة القدم والكيرم وكرة الريشة، وثلاجتين بهم الكثير من الزبادي بالإضافة للفائض من المرضى من ألبان وطعام يضعوه بها عسى أن يستفيد به باقي الأشخاص.

هذا بالإضافة أيضاً لشبكات الواي فاي المنتشرة على نطاق واسع في كل الأماكن. نفس الصالة يتم بها تجميع المرضى ممن سمعوا أسمائهم -في السماعات المنتشرة في كل مكان- من أجل التحليل أو المسحة، وهناك فقط سترى الجدد قادمون وممن تعافوا في طريقهم للخروج.

ركبنا عربة الغولف تلك متجهة بنا لمجمع التمريض، أثناء ذلك رأيت العنابر المكتظة بالمرضى جنباً إلى جنب، وقتها تمنيت أن لو كان هناك فاصل -حائط- في ذلك الفراغ الموجود بين الأسرة لبعض الخصوصية وللأمان الجسدي والنفسي، ويبدو أن الله يعلم ما في نفسي، فبعد وصولنا لمجمع التمريض -والذي ينتشر في كل منطقة- وطرح ما لدينا من أسئلة واستفسارات، أعطى كل منا رقم غرفة عليه التوجه لها وهم سيحضرون لاحقاً بباقي المستلزمات، عندما توجهنا للغرفة لم أصدق نفسي لقد تحققت أمنيتي سريعاً حتى أني عدت للتمريض مرة أخرى وسألته عن إن كنا سنبقى في تلك الغرف أم سيتم نقلنا لاحقاً، والحمد لله كانت الإجابة بأنه غرفتكم وعليكم حفظ رقمها.

الفرق بين الغرف والعنابر، أن تلك الأولى هي غرفة منفصلة لكل شخص، تشترك مع العنابر بأن هناك دولاب وسرير -كل ما به جديد يأتي به أفراد التمريض- لكنها تختلف كما ذكرت في أنها منفصلة عن الآخرين، حتى أن بها ركناً مخصص للصلاة، في مساحة تقريبية 3*4 أمتار، ورغم أنها لا سقف ولا باب لها وهناك كاميرات بالأعلى إلى أنها مريحة نفسياً عن العنابر، فالعنابر مخصصة من وجهة نظري للمرضى من الدرجة الثانية ممن يحتاجون للمتابعة المستمرة ويستحقونها أكثر من غيرهم -المرضى من الدرجة الأولى نادراً ما كنت أشاهدهم هنا فعادة يكونوا بالمستشفيات، حتى الذين شاهدتهم كانوا أقرب سرير في العنبر للتمريض، ولم يبقوا يوم أو اثنين بالكثير ويتم ترحيلهم للمستشفيات- وتحتوي على مرضى السكر والقلب وغيرهم من مرضى الدرجة الثالثة مثلي ممكن لم ينالوا حظاً بالتواجد بالغرف لامتلائها.

أذكر تلك النظرة التي علت وجه ذلك الرجل عندما رأى الغرف لأول مرة وسألني عن ماذا فعلنا لنأخذ واحدة من تلك، نفس السؤال تكرر من الرجال الثلاثة، هذا بالإضافة لخوف العجوز الطيب من تواجده بالغرف خشية أن تكون للمرضى من الدرجة الأولى..

بعد انتظار قرابة العشر دقائق جاءني اثنين من التمريض أخبراني بأن الغرفة قد تم تنظيفها من قبل وكل ما بها جديد، ولمجرد شك بسيط اعتذرا وأحضرا لي كل شيء مرة أخرى، وهي عبارة عن غطاء للنوم وغطاءين للسرير مع غطاء آخر يوضع فوق المرتبة أو الملاءة والوسادة بأكياسها. وباقي الأشياء يمكنك طلبها في أي وقت أو تجديدها في حالة اتسخت أو طالت مدتك؛ ستجد أيضاً: (أدوات ماكينات حلاقة الذقن وفرشاة الأسنان وجل للشعر وصابون للاستحمام وقفازات وماسكات وملابس..إلخ) كل شىء متوفر ولا حاجة تقريباً لك هناك إلا وتجدها، لذا كنت أندهش ممن يثقلون على أنفسهم ويجلبون أغطية النوم ورأيت شخصاً يجلب وسائد معه من الخارج!! لكن ربما لأنهم يجهلون ماهية المكان أخذوا كل احتياطاتهم..

وهذه الأشياء ليست كل ما يقدمه التمريض بالطبع، فهي شىء جانبي إلى جانب وظيفتهم الأساسية، حيث يتواجدون في مجمع التمريض لاستقبال المرضى ولهم دوريتين في اليوم يمروا على كل الأسرة والغرف المتواجد ضمن نطاق عملهم، ليتابعوا الحالة الصحية للمرضى ويقوموا بتوزيع الأدوية -سواء أدوية أساسية أو أدوية خاصة بحالات المرض الحالي- وإن احتجت لشىء تبلغهم وبعد الكشف والتأكد من حالاتك يعطوك الدواء المناسب، والأدوية التي أذكرها هنا هي ليست دواء للشفاء من المرض بشكل كلي -فكما تعلمون ليس هناك دواء مؤكد- بل أدوية للصداع أو السعال أو ضيق التنفس..إلخ وأقصى دواء يستخدم -لبعض الحالات وليس كلها- هو دواء الملاريا على حد علمي..