تجربتي مع إنحراف الحاجز الأنفي والغضاريف
تخيل.. أن تستيقظ كل يوم في معاد مختلف عن الميعاد الذي أردت أن تستيقظ به، هذا الاستيقاظ قد يكون بعد نصف ساعة أو عدة ساعات، لا تستيقظ على صوت العصافير أو يد والدك، بل تستيقظ على موتك، على أحد يريد أن يخنقك، بل هو بالفعل يخنقك حتى تكاد تخرج أنفاسك الأخيرة، لا هذه ليست أنفاسك الأخيرة وهذا ليس الجاثوم، أنت بالفعل لا تستطيع التنفس، وهذا هو سبب إنذار الموت الذي أطلقه عقلك ليوقظك من موت محقق.
ذلك كان الاختناق الليلي الذي يحدث كل ليلة ومع الساعات الأولى أو حتى الأخيرة من النوم، بسبب شيء بسيط جداً، وهو أن لديك انحراف. ليس في ميولك ولكن في انفك، وبالتحديد في الحاجز الأنفي، والأسوأ أن يصاحب ذلك الانحراف تضخم في الغضاريف، هل هناك أسوأ من أن يكون حاجزك الأنفي يحجز الهواء عن الدخول، وبمساعدة الغضاريف التي بدلاً من أن تلطف الهواء الهارب صديقها تقوم بمنعه هي الأخرى؟ نعم، أن تصاب بالجائحة.
تلك الأخيرة هي أحد الأسباب -التي وضعها الله في طريقي- في تعرفي على مشكلة الانحراف في الحاجز الأنفي، فبعد دخولي في دوامتها ببداية الانتشار، أصبحت أشعر بضيق التنفس شيئاً فشيئاً، لدرجة أنني لم أكن أتخيل أن يمر ذلك العام إلا بفضل من الله سبحانه وتعالى، فضيق التنفس الذي يحصلك لك من أعراضها بالإضافة إلا ضيق التنفس بسبب الغضاريف وانحرافك هذا، سيجعلك تجرب طريقة الإعدام شنقاً كل يوم وكل ليلة. (تحدث عن ذلك في موضوع سابق بعنوان: خمسة عشر عام من المس).
كيف تعيش حتى اليوم؟
"كيف تعيش حتى اليوم؟" هي أول جملة سمعتها بعد أن أدخل الطبيب -الثالث- منظاره في أنفي، قد تكون جملة تجارية تمهيداً لما سيقوله فيما بعد، لكنها كانت مريحة أكثر لأن هناك شخص آخر بعد أكثر من عقد يعرف ما أمر به جيداً، يعرف أن ذلك الحاجز ليس من أتباع الجن والشياطين أو من مرض نفسي جعلني سقيم. بل بسب غضاريف وعظام أرادت وبكل بساطة أن تنحرف.. في عصر أصبح كل شيء به. منحرف.
"لماذا كنت تأخذ تلك الأدوية؟" سؤاله الثاني والذي كان مقنع أكثر مما هو تجاري، ماذا ستفعل الأدوية في شبه عظمة ملتوية!! لكنه رغم إنه كان مقنع إلا إنني كنت متوقعه، فتلك الأسئلة لا تصدر إلا من الصنايعية والأطباء، إن لم يهين من قبله لن يصبح الخبير في مهنته، ولن ينال شهرته؛ نعم بعضهم ينال شهرته بتلك الطريقة من خلال إيهام من أمامهم بأن من قبلهم لا يفقهون أي شيء وهو المنقذ المنتظر.
بعد سؤاله الاستنكاري السابق، جاء وقت ما كان يمهد له، وأخبرني أنه يجب إجراء عملية بل عمليتين، أخبرته أنني كنت على علم بذلك منذ عام -لم أكن أعلم بشأن الغضاريف- لأطفئ بريق اكتشافه وليدخل في المفيد. أخبرني بأنه يجب التوقف عن أي أدوية خاصة بالأنف، وأنه هناك عدة فحوصات وأشعة مقطعية يجب أن أحضرها له في المرة القادمة.
كنت موافق على إجراء العملية قبل أن أذهب له، بل ذهبت له بالتحديد ليس للكشف بل لإجرائها، بعد نصيحة من الطبيب الثاني في مرته الأخيرة بأنه يجب أن تتم في بلدي على أقل تقدير، وبعد أن تأكدت بعد عام إضافي أنه لا سبيل آخر لحل المشكلة سواها. فأنا أكره كل ما يندرج تحت اسم عملية، رغم أنني لم أمر بأي عملية من قبل.
الفحوصات الطبية والأشعة المقطعية
يوم الأشعة المقطعية، لم أكن أعلم أنه ذلك التابوت الحديث الذي استخدم على المصريين القدماء ويخشاه من لديهم فوبيا الأماكن الضيقة، كنت أظنه نفس الجهاز الذي تضع رأسك على مقربة من الحائط بنفس طريقة علاء ولي الدين في فيلم عبود على الحدود دون حركة بحقل الألغام، لكنه لم يكن ذلك، بل كان على طريقة محمد سعد في فيلم عوكل في مشهد الدخول إلى التابوت.
بعد إحضار الفحوصات والأشعة للطبيب سألته عن أسئلة تراودني للمرة الألف، وإجابتها كانت أن العملية تتم بالمنظر والليزر -على حسب ما أتذكر- وإن الغضاريف لا يتم استئصالها بل يتم تصفيتها أو استئصال جزء بسيط إن تطلب الأمر. بعدها تم تحديد موعد العملية، أخبرتني الممرضة أنه يجب أن أحضر في نفس اليوم صائم قبل أربع ساعات على الأقل، ورغم أن ذلك التنبيه كان غريب بالنسبة لي بما أنني أجهل أمور العمليات، إلا إنه كان أسهل بالنسبة لي من النوم، فبعد تجهيز نفسي جسدياً وعقلياً بحيث يكون نومي هادئاً فلم أستطع النوم، لم أستطع النوم باكراً في أول رحلة مدرسية، فهل تتوقع أن أنام في أول عملية لي -وآخر بإذن الله- والقرار كان صعب وغير متوقع، لذا بما أنها أول عملية فقد تناولت ولأول مرة دواء منوم. وعلى ذكر تلك التجربة فهو نفس ظاهرة أن تشرب قهوة تماماً لتستيقظ ثم تنام، لم أجرب القهوة من قبل لكنني جربت ذلك الدواء ونمت لمدة ساعتين.
يوم العملية
يوم العملية ذهبت برهبة تختلط بالحماس تعطيك إحساس بالتردد والاندفاع في ذات الوقت، فها قد جاء اليوم الذي سأتخلص به من ضيق التنفس بعد كل تلك الأعوام، لكنها أول عملية وقد تموت تحت التخدير!! لا تبالغ لا أحد يموت تحت التخدير وإن حدث فقد كنت أموت كل يوم، هل تسمي ذلك موت ولم ترى الموت الحقيقي بعد إخراج أحشاؤك من فتحة أنفك. دعها لله الذي جعلها سبب في شفاء عباده وركز في طريقك. (حديث مع الأنا ج2).
بعد حصولي على سوار المرضى -للمرة الثانية في حياتي- وإجراء الفحوصات، أخبروني أنه جاءت اللحظة الحاسمة، ولما لا وقد غلب حماسي رهبتي، أعطتني الممرضة بقايا قماش تشبه المفرش وأشارت على غرفة تغيير الملابس وهي تقول لي "عليك بإزالة كل ملابسك عدا.." للمرة الثانية أشك في أنني ذاهب إلى العملية الخطأ، ما علاقة أنفي بنزع كل ملابسي، دعنا من ذلك.. ما فائدة تلك القطعة في جو أوروبي بامتياز؟ قاطعت أفكاري قائلة "لن تشعر بالبرد" وما فائدة اختراع كل تلك الملابس الشتوية طالما أنني لن أشعر بالبرد بارتداء مفرش سرير؟ لن تشعر بالبرد!! لم أفهمها جيداً.. هل يوجد مدفأة خشبية بالداخل. ستموت (أخرس).
في غرفة العمليات
"من أين أنت؟" لا أذكر عدد خطواتي من غرفة تغيير الملابس حتى سماعي هذا السؤال، كانت أقرب أكثر مما توقعت، تلك كانت غرفة العمليات وذلك على ما يبدو دكتور التخدير يريد أن يخدرني بأسئلته قبل أن يخدرني بالمخدر الحقيقي. أثناء إجابتي على السؤال بحثت عن تلك السفينة الفضائية التي توضع فوق رأس المريض لتعميه.. لكنني لاحظت وجود قرابة 8 أشخاص ليس من بينهم الطبيب الجراح، لماذا هناك 8 أشخاص بالزي الأبيض لإجراء عملية في مكان لا يتعدى نصف سم -الشك الثالث- وأين الجراح؟ "كم عمرك؟" كم عمري!! أرجوك أكد علي أنك تسألني هذه الأسئلة من أجل التخدير وأني بغرفة العمليات ولم أجري العملية بعد.
"انت هتنام دلوقتي" الحمد لله أنك أخبرتني أنني حي.. لحظة لماذا تخبرني أنني سأنام الآن.. هل هذا أمر؟ أم تنبيـ....... .
بعد العملية
كنت متخيل أنني إن لم أستيقظ داخل العملية على أسوء تقدير، فعلى الأقل سأسمع الجراح وهو يخبر صديقه بأن القلب لا يخرج من فتحة الأنف بل من الفم، وأنه يفضل أن يأخذ قطعة من الرقبة على أن يأخذ قطعة من الكبد لأنه أسرع في الاستواء. لكنني استيقظت على أمر وكلام أعقل قليلاً عند سماعي "أحمد.. أصحى يا أحمااااد.. أحماااا..".
إرسال تعليق